{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا )

القرآن هو روح الأمة وسر حياتها ، به تستبصر وبه تمتلك الأمة الرؤية الحكيمة التي تليق بإنسانية الإنسان ، وبه تمتلك القدرة على الارتقاء بالإنسان والإنسانية ، وهو عنوان الرفعة والعزة لمن تعلق به .... عندما عبر الله عن القرآن بأنه روح إنما يعبر عن حقيقة قد لا يدرك مدلولها الكثيرون ... فالمعلوم أن الروح هي سر حياة الجسد ، وخروجها من الجسد إشارة إلى انتهاء مهمة الجسد ، والروح لا تخرج إلا إذا استعصت أعضاء الجسد في التعاطي معها  ، عندها تنطلق الروح مغادرة للجسد .... وبمجرد مغادرتها للجسد تفقد الحواس قدرتها على التعامل مع العالم الخارجي ... إنه الموت .

والروح كذلك بدون جسد لا تؤدي مهمتها المتعلقة بها وبمجرد خروجها تقف الروح عن العطاء ضمن مسيرة الحياة حتى بالرغم من بقائها في دائرة الحياة .

وكذلك القرآن بالنسبة للإنسان ، إنه روح الروح ... إذا سرت روح القرآن في الأمة فهذا عنوان حياة للأمة عندها تبدأ ترى حقائق الوجود والمصير ، عندها تبداُ تمتلك عناصر القوة للبقاء الإنساني الخير في الأرض ، وبقدر تمكن القرآن من جسد الأمة ، بقدر ما الأمة تسلك معاني الحياة الحقيقية نحو الحكمة والرحمة والمعاني الإنسانية الأخرى الموصلة للعزة والتمكين ... وكما أن الروح بحاجة للجسد لكي تنطلق من خلاله ، كذلك القرآن بحاجة لجسد أرضي لكي ينطلق من خلاله في تفعيل معاني الحياة الحقيقية ... وإلا بقي في دائرة الإمكان دون التفعيل ، او صفحات مطوية بين دفتي كتاب ... لذا عندما أرادت عائشة أن تصف النبي عليه السلام قالت كان قرآناً يمشي على الأرض ... إنهما روحان تمازجاً داخل جسد واحد فغلبت روح القرآن روح الإنسان حتى أضحى الإنسان قرآناً ... اما كيف تسري روح القرآن في جسد الإنسان فهذا بينه الله بقوله : {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأنعام122 فالإنسان وإن كان يمشي على الأرض هو ميت لأنه لم يمتلك الرؤية الحقيقية للأشياء فإذا سرت فيه روح القرآن بدأ حياة جديدة مفعمة بالنور وما يحمله من دلالات .