نفحات من تفسير القرآن الكريم 3 - سورة الطارق

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عدنا إليكم باجتهادٍ جديد في تفسير بعض الآيات عسى أن ينفع المسلمين..

سورة الطارق

بسم الله الرحمن الرحيم

{ وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ }
يُقسم الله بالسماء لأن حساب الإنسان فيها. والإنسان هو محور حديث القرآن. فإذا كان النيزك سبب لهلاك الإنسان ، فهنالك ما يحفظ نَفسه البشرية.
وقال العلماء أن الإنسان يتركب من جسد وروح ونَفس.

{ فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ }
أورد العلم الحديث أن جسم الإنسان يحتوى 70٪ منه على ماء. وأن الماء سر الحياة. فلربما تكون هذه "النفس" مركبة من الماء. لأنه ليس من شيء في الوجود إلا وله حيز و حس وجودي.
تذكر التفسيرات الغربية لرموز الأحلام أن الماء في الحلم يرمز لمشاعر الإنسان وعواطفه. فلربما سبقنا القدماء في معرفة النفس على أنها من الماء؟

{ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ }
إذا كان الجسد وعاء للنفس ، وكانت الروح هي سر الطاقة والحياة ، فما الذي يميز إنسانا عن غيره ؟ لا بد أنها النفس ومزاجها المنفرد.

{ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ }
بعد أن ذكر الله مدى ضعف وهوان الإنسان ، وبعد أن أقسم بالسماء ونجومها ، جاء جواب القسم هنا.
فلينظر الإنسان إلى نفسه هذه ، بمَ تؤمن ؟ وما تعتقده من اعتقادات ؟

{ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ }
الإنسان اليوم معتقده مخبئ -إن صح التعبير- ، لكن يوم البعث ، نفسه تصبح كتاب مفتوح.
أليست هذه سورة عظيمة..

{ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ }
هنا قسَمٌ جديد ومهيب ، فالسماء بيد الله وقادرة على العودة.
وبعد أن ذكرنا محتوى جسم الإنسان ، يقسم الله هنا بالأرض المتصدعة التي لا شعور لها ، جمادٌ تام.

{ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ * إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا }
بعد أن ذكرت أن الله سبحانه يعلم سريرة الإنسان ، النفس المؤمنة والنفس الكافرة ، يقول أن البشر في كيد. وقد ذكر لفظ "كيد" ولم يقل "مكر" ، حيث أن المكر يكون عداء مبطن تجاه البشر ، والكيد عداء مبطن تجاه الله عز وعلا..

{ وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا }
الكافرون لمّا سمعوا إعجاز الله ، تولّوا كبرهم ، والتجئوا إلى بناء الأمجاد على تحدٍ ، وبدؤوا يكيدون المكائد للإسلام. لكن الله يرثهم قليلا. { قل الله أسرع مكرا }

...

ما نصيب المؤمن من هذه الآيات ؟
مع مرور الزمان ، حريٌ بالمؤمن أن يثبت على دينه وولائه لله ، مهما كاد له ممن هم حوله ، لأن الإيمان غريب ، ولا يعجب الغافلين من الناس.

------------

كيف يتولوا كبرهم ؟

بأن يقول أحدهم ما شأن الله فينا ؟ لم يتدخل بحياتنا ويتحكم بشهواتنا ؟
يرفض أن يكون عبدا لله.. وبعدها يصبح ندا له.
والحقيقة أن الله سبحانه ما حرمك من شيء ، لكن أرادك أن تنضبط قليلا ، لأنه أعلم بمصلحتك. فإن اعتقدت أن الدين يحرمك من شيء فقد أخطأت فهم الإسلام.
الدين وسطي ، لا تذهب أقصى اليمين فتهلك ولا إلى أقصى اليسار فتهلك. لكن كن قليلا بين هذا وذاك.
وللأسف اليوم أصبح الناس لونين إما أسود أو أبيض وغابت الطبقة الرمادية.
البطولة هي أن تبتعد عن اليمين وتحافظ على علاقتك بربك ، وتبتعد عن اليسار وتبقى محبا له.