لا يصح الإسلام لأحد أبدا حتى يعرف الطاغوت ، ويكفر به!!

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على إمام المجاهدين

أما بعد:

فإن الله أنزل أحكم كتبه على قلب أتقى خلقه فأتم أقوم ملَّة فكان أتباعه خير أمَّة ...

فعَظُم مُلْكُنا ، واشتد عُودنا ، وعلا ذِكْرنا

فاغتاظ عدونا!!

فأعدوا لنا مكرا كُبَّارا فلولا فضل الله لزالت الجبال من مكرهم

وإذا أردنا أن يعود لهذه الأمة مُلكهم فعلينا أن نعود إلى عقيدة السلف فنفهمها ثم نجعلها صراطا لنا فلا نحيد عنها أبدا ..

وإنَّ أوَّلَ ما فرض الله على عباده في هذه العقيدة هو الكفر بالطاغوت!!

بل أمر به قبل الإيمان به سبحانه لعظم شأنه ، وجليل قدره!!

نعم!!

قال –تعالى-:

*فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ*

انظر:

ذكر –سبحانه- الكفر بالطاغوت قبل الإيمان به!!

وكيف يصح الإسلام دون الكفر بالطاغوت؟

هيهات هيهات!!

ومن عظيم شأن الكفر بالطاغوت أن الله لم يبعث رسولا قط إلا أمره أن يأمر قومه بالكفر بالطاغوت!!

قال تعالى:

*وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ*  

فقد كانت رسالة المرسلين كُلِّهم مبنية على ركنين عظيمين ، وهما:

*الكفر بالطاغوت*

*وعبادة الله*

وهذان الركنان هما بعينهما رُكْنا كلمة التوحيد الذي لا يصير العبد مسلما إلا بها:

*لا إله إلا الله*

لا إله هي بعينها قوله: *فمن يكفر بالطاغوت*

إلا الله هي المساوية لقوله: *ويؤمن بالله*

ومما يبين أهمية *الكفر بالطاغوت*:

أن الله تعالى لم يجعل البُشرى بالجنة والفلاح إلا لمن اجتنب الطاغوت وأهله فكان في جانب والطاغوت وأهله في جانب آخر

قال تعالى:

*وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ*

فإذا فهم الإنسان هذا فهما صحيحا فلا بد أن تشتاق نفسه لمعرفة ما هو هذا الطاغوت الذي لا يصح إسلامه إلا به؟!!

وكيف لا تسعى النفس لمعرفة ذلك وقد علمتْ أنه لا فلاح ، ولا نجاح ، ولا جنة ، ولا بُشرى إلا بعد الكفر بالطاغوت؟

ما هو الطاغوت؟

لكي تفهم معنى الطاغوت فهما سديدا فلا مناص من التُعرض لمعنى هذا اللفظ في لغة العرب إذ القرآن ما نزل إلا بلغتهم:

*وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ*

معنى الطاغوت:

لفظ الطاغوت مشتق من الطغيان ، والطغيان هو مجاوزة الحد..

إذا وضعت أي شيء في موضع معين ومقدر له فتجاوز هذا الحد فقد طغى ...

وبهذا تفهم قوله –تعالى-:

         *إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ* 

كيف طغى الماء؟

قد علمنا أن الطغيان هو مجاوزة الحد ، والماء له حد معين ، وهو شاطئ البحر ، فإذا جاوز هذا الحد فقد طغى ..

ومنه قوله تعالى:

*اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى*

سورة طه: 24

ما هو حد فرعون الذي كان يجب أن يكون فيه؟

العبودية

نعم

فهو عبد ذليل .. فكان حده الانكسار لربَّه –تعالى- وإظهار الافتقار إليه ، ولكنه جاوز هذا الحد ، وقد علمنا أن مَن جاوز حده فقد طغى ، فلذلك أخبر الله –تعالى- موسى -عليه السلام- أن فرعون طغى ..

ومنه قوله تعالى:

*مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى*

سورة النجم: 17

وهو وصف لأدب النبي -صلى الله عليه وسلم- في ليلة المعراج ، فإنه -صلى الله عليه وسلم- حين وقف بين يدي ربِّه كان مِن حوله عجبا لا يستطيع أحدنا منع نفسه من تقليب البصر فيه ، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- بما أدبه ربُّه لم يزغ بصره يمنة ولا يَسْرَةً ، ولا جاوز حده ، فلما لم يجاوز حده قال:

* وَمَا طَغَى*

قد أَطَلتُ قليلا في المقدمة السابقة ولكن عذري أن المقام عظيم ، ولا بد أن يُفهم على وجهه الصحيح ...

ومن هنا نفهم معنى الطاغوت الشرعي الذي أمرنا الله بالكفر به ، بل ولا يصح الإسلام لأحد حتى يكفر به ...

المعنى الشرعي للطاغوت:

قد علمنا أن الطاغوت في اللغة مشتق من الطغيان ومجاوزة الحد ، وهو كذلك في أصل المعنى الشرعي ، فالطاغوت في الشرع هو :

*كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع* ابن القيم.

ولك أن تقول في تعريفه:

*كل شيء تجاوز حد العبودية*

نعم

وما هو حد العبودية؟

حد العبودية هو الوصف اللازم لكل عبد:

الافتقار والانكسار والذل....

كل عبد مملوك لله –تعالى- مِلكا خاصا ، وهو ذليل لربه –تعالى- ، ومفتقر لربه كأشد ما يكون الافتقار ، ولا ينفك العبد عن الفقر والحاجة أبدا ..

احفظ هذا جيدا ..

فإذا خرج العبد عن حد العبودية المذكور أعلاه فهو طاغوت ويجب الكفر به ليصح لك إسلامك ، ومَن لم يَكفر به فليس بمسلم وإن صلى وصام وحج البيت ألف عام!!!

فإذا فهمت هذا جيدا فاعلم أن الطاغوت ليس شيئا واحدا ، ولا شخصا معينا .. ..

يجب أن تستحضر هذا معك دائما لكي تفهم معنى الطاغوت فهما جيدا:

الطاغوت ليس شخصا معينا ، أو شيئا واحدا ولا يوجد غيره ...

الطاغوت:

شيء موصوف بوصف الطغيان ... وكل مَن تحقق فيه هذا الوصف فهو طاغوت..

مثل أن تقول: أعطِ هذا المال لفقير..

فأنت لا تعني أن أعطي المال لشخص بعينه: زيد أو عمرو .... لا ... بل يُدفع المال لكل شخص اتصف بصفة الفقر ، سواء كان امرأة ، أو رجلا ، كبيرا أو صغيرا ، طويلا أو قصيرا ... المعتبر فيه أن يتصف بصفة الفقر ..

وكذلك الحال هنا:

الطاغوت ليس زيدا أو عمرا وينتهي الأمر ... بل هو أي شيء اتصف بصفة الطغيان .. فإذا اتصف بها وجب الكفر به لأنه طاغوت ..

إذا فهمت هذا فهمت ما يلي إن شاء الله ...

قال –تعالى-:

*فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ*

وقال –سبحانه-:

*أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ*

سورة النساء: 60

وقال –جل وعلا-:

*الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا*

سورة النساء: 76

الآيات السابقة جاء فيها ذكر *الطاغوت*

وإذا راجعت كتب أهل العلم في التفسير سوف تجد ما يلي:

بعضهم يفسر الطاغوت بالشيطان

وآخرون بالكهان

وستجد من يفسره بالساحر

وهناك تفاسير أخرى للطاغوت ... وهذا ليس تناقضا في تعريف الطاغوت .. ولا حتى اختلافا في تعريفه .. نعم ..

مَن عرَّف الطاغوت بالشيطان صدق لأن الشيطان مخلوق..

وقد سبق قريبا ذكر حد العبد وما يجب أن يكون عليه فكان يجب أن يكون ذليلا لأمر لربِّه ، ولا يستكبر .. فلما طغى عن هذا الحد صار طاغوتا ..

والكاهن:

من مخلوقات الله تعالى ، فلما ادعى علم الغيب خرج عن حد المخلوقات فصار طاغوتا ..

والحاكم بغير ما أنزل الله من مخلوقات الله –تعالى- ، وكان حده الخضوع لأحكام القرآن ، فلما خرج عن هذا الحد ووضع أحكاما غير أحكام القرآن صار طاغوتا ، ومن هنا تفهم هذه الآية:

*أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ*

سورة النساء: 60

تأمل الآية جيدا:

يقول تعالى:

*يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ*

الطاغوت هنا:

كل شيء يحكم بين الناس غير القرآن ، مثل الكاهن لأنه يحكم بين الناس ، ومثل الأعراف الموجود في القبائل ، ومثل الأمم المتحدة ، ومثل الدستور الوضعي .... كل شيء يحكم بين الناس وليس من القرآن فهو طاغوت بنص الآية ...

سمى الله –تعالى- هذه الأشياء طواغيت لأنها تحكم بين العباد بغير شريعة الله ، وواضعها طاغوت أيضا لأنه تجاوز حد العبودية الذي هو الخضوع لأحكام القرآن .. فلما فعل ذلك ووضع أحكاما غير أحكام القرآن شبَّه نفسه بالرَّبِّ –تعالى- ، لأن التشريع ووضع الأحكام من صفات الله –تعالى- فقط:

*إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ*

سورة الأنعام: 57 

*وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا*

سورة الكهف: 26

فسمى الله –تعالى- في الآية الأخيرة الحكم بغير حكم الله شركا!!

لأنه شرك في الربوبية وهو مساوٍ في الحكم للشرك في العبادة ، قال تعالى:

*وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا*

سورة الكهف: 110

وإذا تأملت الآيتين ستجد أن الله –تعالى- جعل صرف العبادة لغيره وصرف الحكم لغيره شركا!!

فالذي يحكم بين الناس بغير الشريعة طاغوت

نعم

ويجب عليك أن تكفر به لتصحح إسلامك ...

فإن قال قائل:

هل الذي يعصى ربَّه من المسلمين قد تجاوز حد العبودية فيكون طاغوتا؟

فالجواب:

لا ..

ليس كل مَن عصى قد تجاوز حد العبودية .. لا يَسلم أحدٌ أبدا من المعاصي .. ولكن الذي يتجاوز حد العبودية هو الذي ينسب لنفسه شيئا من خصائص الله –تعالى-: كأن يدعوا الناس إلى عبادته مع الله مثل الشيطان وفرعون ..

أو يدعي علم الغيب ، وعلم الغيب من خصائص الرَّب -جل وعلا- كالعَرَّاف..

أو يضع أحكاما وقوانين غير القرآن لأن التشريع من خصائص الرَّب –تعالى- ..

فإن فهمت هذا علمتَ سبب كفر مَن يحكم بالدساتير الوضعية:

قال ابن كثير –رحمه الله-:

... "فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه من فعل ذلك فقد كفر بإجماع المسلمين".

البداية والنهاية: 13/119

يقول ابن كثير:

إن الإنسان إذا أخذ التوراة الصحيحة التي أنزلها الله –تعالى- على موسى –عليه السلام- وحكم بها وترك القرآن كفر وارتد عن الإسلام ، وانتبه أنه يتحدث عن التوراة الصحيحة التي لم تُحرف ، ولا يعني التوراة المُحرفة!!

تأمل!!

فمن أخذ التوراة التي نسخها الله بالقرآن ، وطبق أحكامها كفر لأنها منسوخة بالقرآن الكريم !!

فكيف بمَن حَكَّم قوانين الإنجليز؟!!

والإنجيل مثل التوراة سواء بسواء لأنه منسوخ ..

والياسق الذي ذكره ابن كثير –رحمه الله- هو:

كتاب وضعه جِنْكيزخان ملك التتار ليحكم به بين أتباعه ، وقد جمعه من مِلل شتى ، وأخذ بعض الأحكام من الإسلام!!

كانت هذه إشارة سريعة إلى معنى الطاغوت الذي لا يصح إسلام المرء حتى يكفر به ..

وعلى الإنسان فرضًا لا نَدبًا أن يطلب العلم الذي لا يصح دينه إلا به ، ولا يصح أبدا أن يقول:

لست طالب علم

 لأن العلم عِلمان:

علم لأهل العلم وطلابه ، ولا يجب على كل مسلم أن يتعلمه ، ولكن عليه أن يسأل أهل العلم عنه إذا احتاج إليه .. وطلب هذا العلم فرض كفاية ، وهذا مثل تقسيم المواريث ، ومسائل الطلاق وغيرها ..

وعلم هو فريضة على كل أحد ، وهو العلم بمعنى *لا إله إلا الله* ، ومعرفة أصل الدين كالتوحيد ، والشرك ، والولاء والبراء ..

*فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ*

سورة محمد: 19

فهذا أمر منه –تعالى- لنبيه –صلى الله عليه وسلم- أن يتعلم *لا إله إلا الله* ، وأن يعرف معناها ، وما دلت عليه فكيف بنا نحن؟!! ...

وعلى كل إنسان أن يسأل ويبحث عن هذه الأمور حتى يتعلمها ...

اللهم فقهنا في الدين ، وعلمنا التأويل .. اللهم حقق لنا توحيدنا وإخلاصنا ..

اللهم طهر قلوبنا ، وتوفنا وأنت راضٍ عنا ..

وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين...

 منقول 

*فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى*

اشترط الكفر بالطاغوت قبل الإيمان نفسه!!

*إذ قالوا لقومهم إنا بُرآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم*      

*وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا*

*إني لعملكم من القالين*

من القالين أي:

من الكارهين المُبغضين

*واجنبني وبنيَّ أن نعبد الأصنام*

*إني مهاجر إلى ربي*

*وأعتزلكم وما تدعون من دون الله*

صرح باعتزال الأشخاص قبل الطاغوت نفسه!!

*لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان*

*لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يُوادون من حادَّ اللهَ ورسولَه ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم*

الذي يحب الكفار ليس في قلبه إيمان فهو كافر مثلهم ، ولو كان الكافر أباه أو أخاه!!

*وبدا بيننا وبينكم العداوة*

لأنه لا يُعد كافرا بالطاغوت حتى يتصف بها.