نفحات من تفسير القرآن الكريم 4 - سورة الإسراء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

قبل البدء بنشر اجتهادي في تفسير بعضٍ من آيات سورة الإسراء ، أعيد وأؤكد أنه اجتهاد شخصي ومتواضع قد يقنع أو لا..

بسم الله الرحمن الرحيم

{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }
(الذي باركنا حوله) : أي حول النبي ، من محبة الناس وتأييد الأصحاب.

{ وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً }
سورة الإسراء تشتهر ببثها للوصايا من خلال آياتها. فماذا فعل قوم موسى ؟ قالوا عنه ساحر ونبذوا كتابه واتّبعوا هم السحر.
فتكون سورة الإسراء بذلك عبرة لأمة النبي مما كان في قوم موسى -عليه السلام-.

{ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا }
الشكر دليل الرضى ، والرضى سر الاصطفاء. وأنت إن شكرت ورضيت في داخلك بقضاء الله فقد يصطفيك. والشكر نوعان ، شكر الامتنان وشكر الرضى.

{ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا }
الإفساد غير مذكور في التوراة إنما العلو. هذا من مكر الله بهم. فهم عندما علموا بوعد العلو سعوا له ، ولم يعلموا أنهم سيفسدون.

{ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً }
صراحةً فإن وعد الإنتقام كذلك مذكور في كتابهم.

{ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا }
تشعر في كلمات هذه الآية بأنهم واكبوا التطور الذي نشاهده اليوم. وطوروا جيشهم العسكري حتى باتوا يلقبونه بالذي لا يُقهر.

{ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا }
ما زالت العبر تتوالى لعل أمة محمد تعتبر.

{ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا }
هذا لم يتحقق بعد.

{ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا }
بعد نهاية قصة بني إسرائيل نأتي للعبرة الأهم ، وهي التمسك بالكتاب. فهذا القرآن فيه صلاح ذاتك وصلاح آخرتك. الآن لمَ يعيش الإنسان الغافل في شقاء نفسي والمؤمن مرتاح البال ؟
لأن المؤمن (١) أصلح حياته بينما الغافل تشعره الذنوب بالخذلان (٢) والمؤمن صدّق بالآخرة بما بشّره به القرآن فيشعر بطمأنينة وسعادة.
مثلما يذكر العلّامة النابلسي في دروسه ، هذا القرآن كتاب تعليمات الصانع ، والإنسان مركب عليه. فإن سار عليه كانت سلامة الإنسان ، وإن أخذ بغيره اتجه للشقاء.
وهذه السورة تنفرد بالأوامر والنواهي ، التي تتماشى مع فطرة الإنسان.
ولكن هذا لا يعني التّزمّت بالأخذ بالقرآن ، بل على المؤمن أن يواكب تغيرات عصره.
فإذا قلت لأحدهم اليوم أن فلانًا مؤمنًا أفضل من الصحابة نعتك بالجنون!

{ وَأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا }
(عذابا أليما) : إن اتهموك بالأوهام هل ستترك القرآن ؟ .. إن قالوا لك تحرير فلسطين جنون هل ستصدقهم ؟

{ وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً }
البعض يستعجل تجاه الشر بلا تردد ، ما إن تلوح له نزوة استجاب لها وترك إيمانه. لكن إن أصابه مكروه مثل مرضٍ عضال ، هل يتردد بالدعاء ؟!
زماننا اليوم مليء بالشهوات ، هل هذا يعني أنك يابن آدم ستستعجل تركك للقرآن ؟

{ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً }
لربما هذا ما ينقذ المؤمن عندما تلتبس عليه فتنة ، التفكر في ملكوت الله وعنايته. قبل أن تستعجل لترك القرآن تذكر نعم الله عليك فلربما تخجل من نفسك.

{ وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا }
- (طائره) : ما يتطير به الإنسان ويضيق عليه.
- إن ترك الإنسان كتاب الله ، جيء به بكتاب أعماله يوم القيامة.

{ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }
النفس اللوامة.

{ مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }
الله ما حاجته إن استجبت له أم أعرضت عنه ؟ هو فقط يعلّمك ما ينفعك وما يضرك. وأنت إما تحبه أو تتولى كبرك -والعياذ بالله-.

{ وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا }
لكي تحب الله تذكر أنك مخيّر وما جبرك على شيء.

{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا }
هذه الآية لا يشعر بها إلا رهبان الإسلام ، الذين أثقلتهم الذنوب ذات يوم فهاجروا إلى الله.
(وتذكر ألا رهبانية في الإسلام ، قال النبي "من لم يكن له ذنب فارجموه بالحجارة".)

{ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا }
(لمن نريد) : هنالك من استعجل الذنب فكتبه الله في ديوان المعذبين ، وهنالك من علم ما في قلبه فغفر له زلته.

{ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا }
الهجرة إلى الله بعد الزلل.

{ كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا }
هذا يدل على أن الإنسان مخيّر. والله هو العدل فيعطي هؤلاء وهؤلاء في الدنيا.

{ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً }
هذه تدل على أنه يغفر لبعض من استعجل الذنب من الذين أحبهم الله وعلم ما في قلوبهم.

{ لاَّ تَجْعَل مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً }
هذه الآية تمهد للوصايا المذكورة في الآيات التي تلي. فأن تفعل تلك الموبقات كأنك جعلت مع الله إلها آخر ، لأنك مخيّر وإن فعلتها آثرت خيارَك على وصية الله.

{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا }
من عظمة الوالدين عند الله أن ذكرهما بجانب ذكر عبادته. قال النبي (رضا الله من رضا الوالدين). لذلك كي لا تجعل مع الله إلها آخر عليك بطاعتهما -في طاعة الله-.

{ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا }
لا بأس أن تتذلل لوالديك فما أنت بعابدٍ لهما بذلك ، بل ذلك من الرحمة!

{ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا }
كن صادقا بحبك لوالديك ولا ترائي الناس ببرهما.

ا.ه