فتح "القسطنطينية" يخلد عبقرية "قاهر الروم" في ذكراها الـ562

من طرف بدأ الأمر الثلاثاء يونيو 28, 2016 7:01 pm

الجيش العثماني أمام بوابات القسطنطينية عام1543- ستار

فتح "القسطنطينية" يخلد عبقرية "قاهر الروم" في ذكراها الـ562

"لتفتحن ﺍﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ ﻓﻠﻨﻌﻢ ﺍﻷﻣﻴﺮ ﺃﻣﻴﺮﻫﺎ ﻭﻟﻨﻌﻢ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﻴش"، هذه كانت نبوءة رسول الإسلام، محمد، وبشرى لكافة القادة من بعدها بفتح المدينة، التي أضحت في حقبة زمنية عاصمة الإسلام، وهي حاليا مدينة "إسطنبول"، التي شهدت أمس الجمعة 29مايو/آيار وغدا، إحياء الذكرى الـ562 للفتح الإسلامي لها، على يد السلطان الشاب، محمد الثاني بن مراد، ذو الواحد والعشرين ربيعا، آنذاك، والملقب بـ"محمد الفاتح".

يعد فتح القسطنطينية خاتمة المحاولات الإسلامية لضم هذه المدينة لدولة الخلافة، والتي بدأت منذ أوائل العهد الأُموي، خلال خلافة معاوية بن أبي سفيان واستمرت خلال العهد العباسي، إلى أن تكللت بالنجاح في العهد العثماني، وأضحت عاصمة الدولة العثمانية، وسميت بـ"إسلامبول"، أي "دار الإسلام".

مدينة القسطنطينية

"القسطنطينية" أبهى وأعظم مدينة شهدتها الإنسانية في قرونها الوسطى، حسب وصف موقع "تركيا بوست"، إذ كانت منذ قيامها تجذب أنظار العالم القديم، خلفت مدينة روما كعاصمة للإمبراطورية الرومانية العظيمة وانتزعت منها الشهرة العريضة التي كانت تتباهى بها، وغدت في قرن من الزمان تنافس روما.

ويصف الكاتب العربي، أيمن حويرة "القسطنطينية" بقلب العالم وعاصمتها، قائلا "خمسة وثمانون مليون كيلو متر مربع هي مجموع مساحات إفريقيا وآسيا وأوروبا أو ما يعادل مساحة العالم كاملا في منتصف القرن السادس الميلادي (العالم القديم)، ثلثا هذه المساحة كانت خاضعة للإمبراطورية الرومانية الشرقية أو ما عرف لاحقا بالإمبراطورية البيزنطية، تلك الإمبراطورية التي عاشت أكثر من ألف عام كانت في أغلبها من القوى العظمى التي حكمت هذا العالم، في القلب من هذه الامبراطورية كانت القسطنطينية لتكون بلا منازع هي عاصمة العالم حينها.

وأشار حويرة، إلى أن تاريخ إنشاء المدينة يعود إلى عدة قرون قبل الميلاد، لكن نشأتها الحقيقية كانت على يد الإمبراطور قسطنطين الأول في عام 330، ومنذ ذلك الحين وحتى بدايات القرن العشرين والقسطنطينية هي العاصمة الأكثر شهرة وتأثيرا في العالم، حكم منها البيزنطيون أحد عشر قرنا، ثم جاء العثمانيون ليضيفوا حوالي خمسمائة عام أخرى لعمر هذه المدينة العتيقة.

الإعداد للفتح

يذكر المورخ النمساوي فون هامر، في كتاب "السلطان محمد الفاتح فاتح القسطنطينية وقاهر الروم"، لمؤلفه عبد السلام عبد العزيز فهمي، أكد أن القسطنطينية قد حوصرت تسعة وعشرين مرة منذ تأسيسها وقد كان أول من حاصرها من العرب في عهد معاوية بن أبي سفيان عام 654 ابنه يزيد، ثم حاصرها فيما بعد سليمان بن عبد الملك.

وبذل السلطان الفاتح جهودا كبيرة للاستعداد لفتح القسطنطينية، واهتم في إعداد جيش بلغ ما يقارب ربع مليون مقاتل، وتم تدريبهم على مختلف الفنون القتالية وتجهيزهم بمختلف الأسلحة، كما اعتنى بإعدادهم معنويا.

بدأت أولى تحركات الحصار الاستراتيجية بإقامة قلعة "روملي حصار" على مضيق البوسفور لما لها من أهمية عسكرية في هذا الموقع بمنع السفن من الوصول إلى القسطنطينية في حال طلبت المدينة الدعم من المناطق التي تقع شرقها.

وأولى السلطان عناية خاصة في جمع المدافع، إذ أحضر مهندسا مجريا كان بارعا في صنع المدافع الضخمة وأبرزها المدفع السلطاني المشهور، وعمل على تقوية الأسطول البحري وتزويده بالسفن المختلفة ليكون مؤهلا لحصار تلك المدينة من ثلاث جهات، وقد بلغ عدد هذا الأسطول ما يقارب 400 سفينة.

وحصنت "القسطنطينية" برا ما بين بحر مرمرة إلى القرن الذهبي بخطين من الأسوار يرتفع السور الداخلي 40 قدما، وله أبراج يصل ارتفاعها حتى 60 قدما، والسور الخارجي يبلغ ارتفاعه قرابة 25 قدما، وبالتالي من الناحية العسكرية تعد من أفضل مدن العالم تحصينا.

بداية التحرك

بدأت تحركات الجيش العثماني فمهد الطريق بين أدرنة والقسطنطينية، لجر المدافع العملاقة، واستغرق نقل المدافع قرابة الشهرين حتى وصل الجيش العثماني إلى مشارف القسطنطينية بقيادة محمد الفاتح يوم 6 أبريل/ نيسان 1453، وبدأت المدفعية العثمانية تطلق قذائفها من مواقع مختلفة نحو أسوار المدينة، ما أثار الرعب في قلوب البيزنطيين.

ولم تنقطع الإمدادات من أوروبا ووصلت خمس سفن من "جنوة" بقيادة القائد "جستنيان" حيث استطاع أن يصل إلى العاصمة البيزنطية بعد مواجهة مع السفن العثمانية المحاصرة للمدينة.

عبقرية الفاتح

كان الحصار لا يزال ناقصا ببقاء مضيق القرن الذهبي في أيدي البحرية البيزنطية إلى أن برزت فكرة عبقرية في ذهن الفاتح وهي نقل السفن العثمانية من مرساها في "بشكطاش" إلى داخل القرن الذهبي وذلك من خلال طريق بري بين الميناءين، والبالغ نحو ثلاثة أميال، وكان تلالا غير ممهدة.

بدأت الخطة بتسوية الأرض وتمهيدها، ثم فرشها بألواح خشبية مطلية بالزيت والشحم، وسحبت السفن على تلك الألواح إلى أن وصلت إلى نقطة آمنة فأُنزلت في القرن الذهبي على حين غفلة من العدو حيث جرت العملية في الليل بعيدا عن أنظار العدو.

ولجأ العثمانيون فيما بعد إلى حفر أنفاق تحت الأرض توصل إلى داخل المدينة إلا أن البيزنطيين اكتشفوا أمرهم حين سمع السكان صوت ضربات شديدة تحت الأرض تقترب من المدينة فتصدوا لهم، واستمر العثمانيون في حفر الأنفاق من مناطق مختلفة.

وفي 27 من مايو/ آيار 1453، وجه السلطان الفاتح جنوده إلى الخشوع وتطهير النفوس والتقرب إلى الله بالصلاة والطاعات لعل الله أن يكتب لهم النصر، وفي مساء اليوم نفسه أوقد العثمانيون نارا كثيفة حول معسكراتهم وارتفعت أصوات التكبير.

وفي 29 مايو/ آيار 1453، بدأ الهجوم العام على المدينة بعد أن صدرت الأوامر بالانطلاق نحو الأسوار، وكان الهجوم النهائي متزامنا بريا وبحريا في وقت واحد، وكان قد قسم الفاتح الجيش إلى فرق بحيث يتم استبدال الفرقة بأخرى بعد أن تنهك.

وأظهر جنود الإنكشارية التركية شجاعة فائقة إذ استطاع ثلاثون منهم تسلق السور عند باب "طوب قابي" ورفعوا الأعلام العثمانية، وواصل العثمانيون هجومهم في ناحية أخرى في "باب أدرنة" حتى تمكنوا من اقتحام الأسوار والاستيلاء على بعض الأبراج ورفعت الأعلام العثمانية عليها.

في ظهيرة اليوم ذاته، تمكن الجيش العثماني من دخول القسطنطينية، بقيادة السلطان الفاتح، الذي توجه إلى كنيسة أيا صوفيا حيث التجأ إليها كثير من الناس خوفا فطلب من أحد الرهبان تهدئتهم، ومنحهم حرية إقامة شعائرهم الدينية. وسقطت منذ ذلك التاريخ الدولة البيزنطية، واعتبر المؤرخون ذلك خاتمة لما للعصور الوسطى وبداية للتاريخ الحديث.