ماذا يعني قيام الخلافة؟! … للشيخ حسين بن محمود

بسم الله الرحمن الرحيم

ماذا يعني قيام الخلافة ؟

سؤال يخالج صدور كثير من الناس ، وكثير منهم عنده قصور كبير في تصوّر الأمر ، ولعل غياب علم السياسة الشرعية من المقررات الدراسية – حتى في كثير من المعاهد الإسلامية – جعل البعض يستأنس بكتب الأدب والتأريخ لفهم معانى الخلافة ، ولا يخفى ما في هذه الكتب من أخطاء وأغاليط ، وما فيها من تركيز للمؤرخين على أمور هي في حقيقتها استثناء وليست أصول شريعة ..

لعل القارئ الكريم تصيبه الدهشة من بعض النقاط في هذه الفقرات ، ولا غرابة ، فنحن لم نعرف خليفة ولا خلافة ولم نعش فترة عز الأمة وتمكينها ، بل خُلقنا في فترة ضعف الأمة وتكالب الأمم عليها ، ونحن في مرحلة استضعاف زادها سوءا : كثرة الخيانات والعمالات والنفاق والردّة في أوساط المنتسبين للإسلام ، وكذلك بُعدنا عن ديننا وجهلنا به وتمييع بعضنا له ، مع غزو فكري جلب لنا جميع زبالات عقول البشر التي زحزحت الكثير من القناعات والأصول الشرعية في عقول المسلمين ، وكلما قلنا بأننا وصلنا إلى القاع الذي ليس بعده غير الإرتفاع : اكتشفنا أننا في بداية حفرة عميقة سوداء !!

ماذا يعني خليفة ؟ وماذا تعني الخلافة ؟

لن ندخل في جدال مع الحدود الشرعية ، ولن نسرد أدلة تفصيلية ، فهذه مكانها كتب السياسة الشرعية ، ولكننا سنتكلّم عن بعض آثار وجود خليفة وخلافة إسلامية في الأرض حتى يعلم الجميع الخطر الذي يمثّله هذا الوجود على الكفر وأهله ..

وجود الخلافة والخليفة المسلم يعني :

1- انتهاء جميع السلطات في جميع بلاد المسلمين ، فلا حاكم ولا رئيس ولا ملك ولا سلطان ، بل أمراء يعيّنهم الخليفة ، ومن لم يقبل به الخليفة فلا سلطة له على المسلمين ، بمعنى : سقوط جميع حكام بلاد الإسلام اليوم ، إلا من رضي الخليفة ببقاءه على رأس إمارته ، ولا يوجد خليفة شرعي يريد الخير لأمتنا يرضى ببقاء أي حاكم من حكام هذا الزمان ..

2- جميع الدول الإسلامية تصبح دولة واحدة ، لا حدود بينها ولا قيود ، فالمسلم يستطيع دخول أي بلد إسلامي ويستوطنه وله جميع حقوق من وُلد في تلك البلاد من المسلمين ، وعليه جميع واجباته ..

3- ولاء جميع المسلمين في الأرض يكون لله تعالى ولدينه ثم للمسلمين ، فلا عبرة بقومية ولا وطنية ولا قُطرية ولا قبليّة ، وجميع المسلمين في الدولة الإسلامية متساوون في الحقوق والواجبات ، فلا فضل لعربي فيها على أعجمي ولا لأبيض على أسود ..

4- تجب الهجرة من بلاد الكفار إلى الدولة الإسلامية ، ولا يجوز لمسلم الإقامة في ديار الكفر مع وجود دولة الإسلام ، ويكون ولاء المسلم في أي مكان هو للمسلمين وللإسلام وليس للدولة التي يستوطنها وأخذ جنسيتها ، فجنسية المسلم هي الإسلام لا غير ..

5- إذا اختلف أميران أو قائدان مسلمان في أي مكان فإن الحاكم بينهما هو القضاء الشرعي ، أو يحال الأمر إلى الخليفة ، وحكمه نافذ ما لم يخالف الشرع ، ولا يجوز شرعاً الإحتكام للمنظمات والهيئات الدولية الكافرة ، ومن رضي بحكم هذه الهيئات الكافرة التي لا تحكم بما أنزل الله : فهو كافر مرتد عن الدين ، يستتيبه الخليفة أو نائبه ، فإن تاب وإلا قُتل ردّة ، وبذلك تُلغى هذه المنظمات من حياة المسلمين ولا تمكّن من التسلّط على بلاد الإسلام ..

6- يُحكم بشرع الله في جميع ولايات وأقطار الدولة الإسلامية ، ومن شرّع قانوناً واحداً مخالفاً لشرع الله فإنه يُستتاب ، فإن تاب وإلا قُتل ، وبهذا تُلغى جميعا القوانين والنظريات السياسية المخالفة للشرع ..

7- تُستأنف الفتوحات الإسلامية التي توقفت لأكثر من ثلاثة قرون : فتدخل الجيوش الإسلامية بلاد الكفار لغزوها وفتحها وإخضاعها لسلطان الشرع ، هذا بعد استرجاع كل بقعة حُكمت يوماً بشرع الله تعالى ، وعلى رأسها “القدس” ، فالغزو (جهاد الطلب) فرض كفاية ، واسترجاع بلاد الإسلام (جهاد الدفع) فرض عين ..

8- يُعَزّ أهل الإسلام في الدولة الإسلامية ، ويُذلّ أهل الكفر ، ويُقمع أهل البدع والنفاق ، ويُقتَل المرتدّ ، وتُضرب الجزية على أهل الذمّة فيعطونها عن يد وهم صاغرون ، ولا تؤخذ الجزية في جزيرة العرب لعدم جواز بقاء الكفار فيها ، فهي خالصة لأهل الإسلام ، فيُطرد منها كل كافر مقيم فيها ، ولا يدخلها كافر إلا بأمان شرعي ، ولمدّة قصيرة معلومة ..

9- من نال من الدين بسب الله تعالى أو سب رسوله – بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم – أو سبّ أمهات المؤمنين ورماهن بالفاحشة فإنه يُقتل ولا كرامة ، ومن كفّر الصحابة – وإن استثنى بضعة نفر منهم – أو قال ما ظاهره الكفر فإنه يُستتاب ، فإن تاب وإلا قُتل ردّة ، على خلاف وتفاصيل في هذه الأمور يطول ذكرها ، ويًقتَل رؤوس المبتدعة الداعين إلى بدعهم المُكفّرة ..

10- لا يُعطى الخليفة من أموال المسلمين غير ما يكفيه وأهله من طعام ولباس بحيث يتفرّغ لوظيفته ، وهذا يقدّره أهل الحل والعقد في الأمة ، وليس للخليفة أي حق فوق هذا في أموال المسلمين غير ما يأخذ المسلمون من مخصصات ، فلا يزيد عنهم في شيء ، ومن أخذ غير حقه فإنه يُسترجع منه كاملاً ..
11- يراقِب الخليفة الأمراء : فمن سرق يقطع يده ويسترجع منه ما أخذ ، ومن زنى يجلده أو يرجمه إن كان محصناً ، ولا فرق بين أمير وغيره في الدولة الإسلامية ، فالكل سواسية أمام القضاء الشرعي ، والكل مُحاسب على أعماله ..

12- أهل الحل والعقد هم من يختارون الخليفة ، وإن حاد عن الحق وجار وظلم فإنهم ينصحونه إن نفع النصح ، أو يخلعونه إن كانت المصلحة في ذلك ، أما إن ارتد وخرج عن الدين بأي فعل أو قول وأصر على ذلك فإن أهل الحل والعقد يخلعونه بالقوّة ، وعلى الأمة أن تخرج عليه وجوباً وتخلعه ، فالكافر لا يحكم المسلمين إجماعاً ..

13- لا ضرائب ولا مكوس ولا شيء يؤخذ من أموال المسلمين في الدولة الإسلامية سوى الزكاة الشرعية ، وتُؤخذ الجزية من أهل الذمة والعُشر من بضائع الكفار الداخلة في الدولة ، ولا يؤخذ ذلك من تجار المسلمين ، وأفضل موارد الدولة الإسلامية هي : الغنائم من الجهاد ، وهي أفضل معاش رجال الإسلام ..

14- يُفرض لكل فرد في الأمة الإسلامية عطاء من بيت المال ، وهذا حقه الشرعي لكونه مسلم في الدولة الإسلامية ، وهذا العطاء يُصرف أضعاف أضعافه اليوم لأفراد الأسر الحاكمة في الدول الإسلامية ، فهذه المخصصات التي يأخذها الأمراء اليوم هي في الحقيقة : أموال المسلمين وحقهم الشرعي المسلوب ..

15- لا يوجد شيء في الدولة الإسلامية اسمه : أموال الدولة ، أو ممتلكات الدولة ، بل هي أموال المسلمين وممتلكات المسلمين ، فكل المسلمين شركاء في هذه الأموال ، ولذلك أطلق الصحابة مصطلح “بيت مال المسلمين” على ما نسميه اليوم “خزينة الدولة” أو “البنك المركزي” ، وكان كلما وصلهم مال : قاموا بتوزيعه فوراً على مستحقيه من المسلمين ، وكان عمر – رضي الله عنه – يفعل ذلك كل يوم رغم الأموال الطائلة التي كانت تصله من الأخماس من بلاد فارس والروم وغيرها ..

16- يجب على أصحاب الأموال في الدولة الإسلامية دفع زكاة مالهم لمستحقيه ، ومن لم يُخرج الزكاة يعاقبه الخليفة أو نائبه ، وأي جماعة امتنعت عن دفع الزكاة بشوكة فإن الخليفة يقاتلهم ردّة ، وكذلك أي جماعة امتنعت عن جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الذمة أو امتنعت عن الحكم بشرع الله أو امتنعت عن إتيان ما هو معلوم من الدين بالضرورة فإن الخليفة يقاتلهم ردّة ..

17- أي أمير أو رئيس في أي بقعة من بلاد الإسلام يوالي النصارى ويظاهرهم على المسلمين فإن واجب الخليفة النهوض إليه وقتاله ردّة ، ويعينه المسلمون على ذلك ليقطعوا دابر هذا الشر ، وليكونوا عبرة لغيرهم ..

18- العدل أساس الحكم في الدولة الإسلامية ، وكل ما شرعه الله تعالى وأمر به فهو عين العدل ، وكل ما نهى عنه هو من الجور الوظلم : فقطع يد السارق ، ورجم الزاني ، وقتل المرتد ، وقتل القاتل ، وضرب الجزية على أهل الذمة ، وجهاد الكفار ابتداءً لتحرير بلادهم من الشرك وحكمها بالشرع وسبي ذراريهم وأخذ أموالهم ، كل هذا عدل محض ، وخلافه ظلم وجور ، ومن قال بأن في هذه الأحكام بعض جور فهو مرتدّ فيُستتاب ، فإن تاب وإلا قُتل ردّة ..
19- لا وجود لجماعات وأحزاب في وجود الخلافة الإسلامية ، فكل هذه الجماعات والأحزاب تذوب في دولة الخلافة ، وتُصبح الأمة جماعة واحدة وحزب واحد ، يجير عليهم أدناهم ، وهم يدٌ على من سواهم ..

20- لا يجوز أن يُعيّن في منصب الخلافة غير قرشيّ تنطبق عليه شروط الخلافة التي أجمع عليها علماء الإسلام على أقل تقدير ، فإن لم يوجد : فالأمثل والأمثل من قريش ، ولا يُشترط أن يكون الخليفة من آل بيت النبي – صلى الله عليه وسلم – بل يجوز تولية أي رجل من نسل فهر (قريش) بن مالك بن النضر (وهو قريش على قول) تنطبق عليه الشروط ..

أعداء الأمة – وللأسف – يعرفون معنى الخلافة والخليفة أكثر من كثير من المسلمين ، ولا نعجب من هذه الحرب الصليبية العالمية على “الدولة الإسلامية” ، فهذه الحرب ليست لكسر شوكة جماعة إرهابية أو مجاهدة أو دولة قائمة في العراق والشام وغيرها ، إنما هي حرب على مفهوم الخلافة والخليفة الذي أحيته هذه الدولة ، فأعداء الله النصارى يعلمون جيداً أن الخلافة معناها :

1- توحيد المسلمين في الأرض كلها ..

2- وجود قوة عالمية جديدة مرعبة مرهبة لا يقف أمامها أحد ، وعندها مقومات اجتياح العالم أجمع ، ومن عقيدتها : جهاد الكفار ابتداء وفتح بلادهم لحكمها بالشرع ..
3- خلافة لا تعترف بما أنتجته عقول الكفار العفنة من قوانين وأعراف دولية تحفظ مصالحهم دون غيرهم ، قوانين استطاعوا بها الضحك على شعوب العالم ..
4- دولة تزرع العدل في العالم ، العدل الإلهي ، لا النظريات الكفرية المبنية على تحقيق مصالح الأقوياء على حساب الضعفاء ..

لماذا تحارب الدول العربية – وما تسمى بالإسلامية – إحياء معاني الخلافة ؟

1- لأن في قيام الخلافة زوال حكمهم وسلطانهم ..
2- لأن الخلافة ستسترجع الأموال التي اغتصبوها من المسلمين ..
3- لأن الخلافة ستحاسبهم على طغيانهم وظلمهم وسرقاتهم وكفرهم وردّتهم ..
4- لأن الخلافة ستساوي بين الحاكم والمحكوم ، وبين الأسر الحاكمة والشعوب المسلمة ..

لماذا تحارب بعض الجماعات المسلمة معاني الخلافة :

1- لأنه لا بقاء للجماعات والأحزاب مع وجود الخليفة ..
2- لأنه لا سلطان لقادتها مع وجود الخليفة ..
3- لأن بعض هذه الجماعات اقتنع بالواقع وبالمنظمات والقوانين الدولية واعتقد صلاحيتها وآمن بأفكارها وأطروحاتها ..

ماذا يعني رجوع الخلافة لعوام المسلمين ؟

1- إعادة سيادة الأمة ومجدها وقوتها وريادتها ووحدتها ..
2- نشر العدل بتحكيم شرع الله في بلاد الإسلام ..
3- إعادة حقوق المسلمين المالية والسياسية والاجتماعية ..
4- المساواة بين جميع المسلمين في الحقوق والواجبات ..
5- رفع شأن المسلمين وردع المبتدعة وقتل المرتدين ..
6- إعلان الجهاد في سبيل الله ..

لا نقصد بهذه الكلمات : تقرير ما أنتجته “الدولة الإسلامية” ، وإنما نبيّن حجم الكارثة التي حلّت بالكفر العالمي لمجرّد إحياء فكرة الخلافة الإسلامية ، فالكل أعلن حالة الإستنفار القصوى تزامناً مع إعلان “الخلافة” لعلمهم بمقتضيات هذا الإعلان وخطورته على العالم الذي تعبوا من أجل تشكيله على الوجه الذي يرضيهم ، فالخلافة تكسر جميع الحدود والأعراف والمفاهيم وتُحدث انقلاباً كبيراً وهزّة أرضيّة تدمّر جميع ما بنى هؤلاء من صروح الكذب والدجل والضلال في الأرض ..
بعض من أدرك هذه الحقائق يتسائل : هل من العقل إعطاء قائد “الدولة الإسلامية” الأمير “أبي بكر البغدادي” كل هذه السلطة على المسلمين ونحن لا نعرف شخصه ولا نعرف حقيقته !! هل يتبعه ملياري مسلم وهم لا يعرفونه ولا يعرفون إخلاصه ولا إيمانه وقد فُرض فرضاً على المسلمين !! هذا سؤال غاية في الأهميّة ، والحقيقة أنه لا جواب مقنع لهذا السؤال غير مواجهته بسؤال آخر ، وهو : هل تعلمون في الأرض اليوم قرشيّ يصلح للخلافة أفضل منه أو مثله ؟

إن إقامة الخلافة الإسلامية من أوجب الواجبات ، والأمة عاصية لله تعالى بعدم إقامة الخلافة في الأرض ، ووضع الدويلات الذي نحن فيه مخالف للأصل الشرعي الموجب لقيام سلطة عليا للمسلمين ، وهذه المخالفة هي التي أوردت الأمة المهالك ، والذي أوجد هذه الدويلات هم النصارى أعداء الأمة في معاهدة “سايكس-بيكو” ..

الصحابة – رضوان الله عليهم – اشتغلوا بتنصيب خليفة قبل دفن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لعظم الأمر وخطورته ، وقد رفض كبار الصحابة اقتراح أن يكون للأنصار أمير وللمهاجرين أمير لعلمهم بأن هذا موجب لتفريق المسلمين ولإضعافهم ، ولمخالفته للشرع ، فكيف ترضى الأمة بكل هذه الدويلات !!

هل تبقى الأمة عاصية لله تعالى أم تسعى لقيام خلافة وخليفة وعدم الاكتفاء بالشعارات الرنانة التي صمّت آذاننا لعقود طويلة !! عندما نسأل الناس عن إبراز قرشيّ أصلح من البغدادي لهذا المنصب فإن أكثر الناس يلتزم الصمت ، وبعضهم يبدأ بالطعن في كيفية اختيار البغدادي ، وإن أقر بأهليته ، وهذا من التهرّب من الجواب الذي لم يظفر به أحد !! سمّوا لنا قرشياً في هذا الزمان يصلح لهذا الأمر أكثر من البغدادي ، فإن لم تجدو – والمجال كان ولا زال مفتوحاً للاقتراحات – فلم هذا العداء للدولة الإسلامية ولأميرها ، ولم تلومون من بايعه وأنتم لا تجدون من يصلح للخلافة مثله ..

لا يعنينا شخص البغدادي – الذي قد يُقتل في أي لحظة ، حفظه الله وجعله غصة في حلوق أعداء الدين – ولا تعنينا ذات “الدولة الإسلامية” ، وإنما الذي يعنينا هو : المعنى الذي يمثّله الخليفة وتمثّله الخلافة ، فهذا المعنى نستطيع اليوم إحياءه بغض النظر عن بعض قناعاتنا ، فهي فرصة تاريخية لهذا الجيل ، والحقيقة التي ربما يعلمها الجميع : أنه لولا التدخّل الصليبي في السنتين الماضيتين لاجتاحت “الدولة الإسلامية” جميع الدول العربية ، ولقامت الخلافة فعلاً رغم أنف الجميع ، ولكن الحرب الصليبية أوقفت هذا الزحف بكل ما أوتيت من قوة ، فالعائق الوحيد أما قيام “خلافة إسلامية” في الأرض اليوم ليس مشايخ الفضائيات ولا الأحزاب ولا الجماعات الإسلامية ولا الدول العربية وحكوماتها ، وإنما العائق الوحيد هم الصليبيون ، وطائراتهم على وجه التحديد ..

إن حرب الجماعات والأحزاب الإسلامية ومشايخ الفضائيات والبرامج الاجتماعية هي حرب ثانوية ليس لها كبير أثر ، فبمجرّد استيلاء “الدولة الإسلامية” على هذه الدول ، وإزاحة حكوماتها : ستتغيّر جميع القناعات ، وسينقلب المعارضون إلى متفانون في هوى الخلافة والخليفة ، فالناس مع من غلب ، والبعض يستميت لإبقاء الحال على ما هو عليه تحقيقاً لرغبة الحكام المتسلطين عليه ، لا عن قناعة منه ، ومتى ما جاءت قوة وتمكّنت فإنه سينقلب على حكامه وسيعلن الولاء للحاكم الجديد ، فالثوابت التي يدعيها البعض هي في حقيقتها : آثار الغلبة وليست قناعات حقيقية ، ولذلك لما خسر الكفار حرب الأفكار ضد الدولة الإسلامية : لجؤوا للقتال حتى لا تتمكّن الدولة الإسلامية بالقوّة فيتبعها الناس ..

من ظن أن الكفار والمرتدون ينفقون تريليونات الدولارات من أجل هزيمة “دولة إسلامية” احتلت نصف العراق ونصف الشام ليسلموها للنصيرية والرافضة نكاية بالمسلمين فهو جاهل بطبيعة هذا الصراع ، فحرب الكفار اليوم ليست ضد هذا “الكائن الجغرافي” ، بل هي ضد قيام “خلافة إسلامية” في الأرض ، فليست هناك حكومة في الأرض تريد قيام خلافة تسلبها شرعيتها المزيّفة ، وخاصة حكومات الدول الإسلامية التي ستكون شعوبها أول من يبايع خليفة قوي متمكّن ، وشغل شياطين الإعلام الشاغل اليوم هو إقناع الشعوب الإسلامية بأن “الدولة الإسلامية” غير متمكّنة ، لا بغضاً فيها ولا في البغداي ، ولكن عداوة للإسلام الذي تمثّله “الخلافة الإسلامية” ، ومما زاد الكفار رعباً : ما حصل في بداية إعلان “الخلافة” من هجرة عشرات آلاف المسلمين إلى “الدولة الإسلامية” من شتى بقاع الأرض ..

من المؤسف أن نرى بعض العقلاء قد قصُرت عقولهم عن فهم طبيعة هذا الصراع ليجعلوه صراعاً حزبياً أو اجتهادياً ضيّقاً لا يرقى لمستوى طموح الأمة .. البعض يقول بأن هذه أحلام سفهاء ، وأن الأمة بعيدة كل البعد عن تحقيق معاني الخلافة ، وأننا في مرحلة لا تسمح لنا بالتفكير في مثل هذا ، فنحن في جهاد دفع منذ قرون ، وأمتنا ضعيفة مهزومة مكلومة ، فكيف نفكّر في خلافة ونحن نعيش في عصر تمتلك فيه القوى الكافرة القنابل النووية وتستطيع محونا من الوجود بضغطة زر !!
نقول : لقد بشّر النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – صحابَته بُملك كسرى وقيصر وكنوزهما وهم محاصرون في المدينة مِن قِبل الأحزاب التي جائتهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى زاغت أبصار المسلمين وبلغت القلوب الحناجر وظنوا بالله الظنون وابتلوا وزُلزلوا زلزالاً شديدا ، فهناك أمل في أحلك الظروف لمن سلّم أمره لله وتوكّل عليه حق التوكّل وانتصر به على أعداءه {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (الأحزاب : 22) ..

ما نسمعه دائماً من البعض من أن الحرب اليوم ليست بالسيوف والرماح ، وأن العالم تغيّر ، فجوابنا عليهم : أن الله تعالى لا يتغيّر سبحانه ، وكل شيء في سلطانه ، وهو القوي العزيز ، ونسأل هؤلاء : هل تغلِبُ هذه الأسلحة قوة الله وقدرته جل في علاه ؟
سيقولون : الله تعالى يقول {وَأَعِدُّوا لَهُمْ} (الأنفال : 60) ونحن لا نملك العدّة !!
فنقول لهم : اكملوا الآية {وأعدّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ …} (الأنفال : 60) ، فإذا أعددنا ما نستطيع في ظرفنا هذا وفي زماننا ومكاننا فإننا امتثلنا أمر الله تعالى ، والله تعالى وعد من يمتثل أمره بالنصر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد : 7) ، {وَكَفَى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللهِ نَصِيرًا} (النساء : 45) ..

ليست هذه سلبية ، ولا دروشة ، بل محض توكّل على الله تعالى بعد الأخذ بالأسباب المقدور عليها والتي كلّفنا الله بها ، وهو سبحانه لم يحمّلنا ما لا طاقة لنا به ، والأمة الإسلامية انتصرت على الروم والفرس والترك والهنود والبربر والمغول والفرنجة وكفار العرب في أوقات صعبة حالكة كانت فيها ضعيفة وأعدائها أقوياء ، وانتصرت الأمة على السوفييت في أفغانستان والشيشان ، وعلى الأمريكان في العراق والصومال ، وعلى الفرنسيين والبريطانيين والطليان والأسبان وغيرهم في وقت ضعفها وقلة مواردها ، فنحن ننتصر بالله تعالى ، وعدوّنا يُخذل لكفره ومحاربته دين الله تعالى ، ولا نخشى إلا ما حذّرنا الله – تعالى – من معصيته بتنازعنا وتفرقنا وإتياننا ما لا يرضاه لنا ، فهذا فقط ما يُخيفنا ، أما أسلحة العدو فإن الله يكفيناها بما شاء سبحانه ، فهو القادر القاهر فوق عباده ، وكل ما نحتاجه هو : الإيمان بقدرة الله ونصرته ، ثم عزيمة تُنفذ هذا الإيمان بلا تردد ولا خوف من القوم الجبّارين {قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (المائدة : 23) ..

والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم ..

كتبه
حسين بن محمود
13 صفر 1438هـ