اجتهاد في تفسير سورة الزمر

بسم الله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله...


اليوم آتيكم باجتهاد شخصي في تفسير أوائل سورة الزمر..


بسم الله الرحمن الرحيم


{ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }
سورة الزمر تتكلم عن الآخرة ، من يصدقها ومن يكذبها ..
ومن أحسن من القرآن ليتحدث عن الآخرة ؛ الذي نزل على قلب النبي ليبلّغ أقواما عن ربه وعلومه..


{ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ }
الحق هو حقيقة الآخرة وحقيقة وجود الله بوحدانيته وربوبيته .. فإن كان هنالك أديان أخرى تدعو للباطل فالنبي مدعو لإخلاص عبادته لله ودينه الحق..


{ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }
الله سبحانه واحدً أحد متفرد بإلوهيته ، علاقة العبد المؤمن به علاقة مميزة.. علاقة مباشِرة لا وسيط فيها.. وما النبي إلا رسول هدانا بهدي الله لطريق الحق والصواب ، ولذلك زُرعت في قلوبنا محبته ، وسيرته في القرآن والسنة أجبرتنا على تعظيمه..
والعبد إن صدق في بحثه عن الحقيقة وجد الله.. كما قال النبي : إن الصدق يهدي للبر ، والبر يهدي للجنة ، وإن الكذب يهدي للفجور ، والفجور يهدي للنار.. وهذا ملخص السورة ، بحيث لا تصل للحق ولا الحقيقة إلا إن صدقت ، والصدق هو الإخلاص في كلماتها وآياتها ، فإن أخلصت رزقك الله الإيمان في قلبك بالله وبالآخرة..


{ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاء سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }
بنو إسرائيل اخترعوا النصرانية لتكون لهم السيادة والقيادة ، لأن دين عيسى -الإسلام- يدعو للمساواة بين جميع ألوان البشر .. لكن بني اسرائيل تغلبهم العنصرية والأثرة وحب الذات.. وقد قال النبي : لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى..


{ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ }
خلق الكون بالحق أي لأجل مسمى ، بحيث تدور الأفلاك داخل منظومة دقيقة ، هذا معنى بالحق..
والأرض بمكنونها البشري جزء من هذه المنظومة ، لذلك كان إسم الغفار أقرب الأسماء للمؤمن.. وإسم العزيز من أكثر الأسماء التي تكررت في القرآن لأنه كلام الله الشخصي.. واجتماع الإسمين هنا يدلل على مباشرة العلاقة بين الله والمؤمن وافتقار العبد المؤمن لربه..


{ خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ }
التكاثر من سمة الإنسانية ، والوحدانية صفة الله ، لذلك فهو الملك.. والإنسان في وقت الضيق يدخل في حروب بينه وبين ربه ، أسئلة لها أول ما لها آخر ، من العتاب واللوم.. لكن في الحقيقة ما دخَل هذا الإنسان حالة الضيق إلا لأن الله اشتاق له..
فأنت ترى الكثير من الأشخاص العاديين لكنهم عند الله صالحين.. وترى الكثير من أصحاب الدين لكنهم عند الله أشقياء.. لذلك كان الإسلام دين مساواة.. بينما عند النصارى أنت تذنب ثم تذهب لرجل الدين ليغفر لك.. إن تفكرت لن تجد مساواة..


{ إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }
هذا دليل اشتياق الله لعبده الشاكر الذاكر..
معنىً آخر ل ولا تزر وازرة وزر أخرى هو بطلان غفران رجال الدين النصارى للعصاة..
لأن الله هو البصير ، فهو الذي رآك وأنت تعصي ، فأين العزة بأن تجعل وسيطا بينك وبين الله الذي يحبك ويقدّر الإخلاص.. ألم يقل الله { الذي يراك حين تقوم ، وتقلّبك في الساجدين }..


{ وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ }
هذه الآية تُعد من دلائل وجود الله..
وذلك الإنسان المتضايق الذي يكلم ربه بالعتب واللوم ؛ ألا يحق لله أن يرد عليه بنفس الأسلوب ؟
لذلك قال العارفون : الدنيا دار ابتلاء لا دار استواء ، ومنزل ترحٍ لا منزل فرح ، فمن عرفها ما حزن لبلاء ، ولا فرح لجزاء..
لذلك سورة الزمر تتكلم عن الآخرة التي ينبغي أن يجعلها الإنسان نصب عينيه.. أما الدنيا فقد قال الله فيها بحديث قدسي :
يا ابن آدم .. خلقتك للعبادة فلا تلعب , وقسمت لك رزقك فلا تتعب , فإن أنت رضيت بما قسمته لك أرحت قلبك و بدنك و كنت عندي محمودا ,وإن لم ترضى بما قسمته لك فوعزتي و جلالي .. لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحوش في البرية , ثم لا يكون لك منها إلا ما قسمته لك و كنت عندي مذموما .


{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ }
هل يستوي العابد مع العاصي ؟!
فالذي عرف الله واستقام قد كان سمع بالآخرة وآمن بها.. بينما الذي أعرض عنها فهو من أغبى الأغبياء..
كأن تسألهما أتود الذهاب للنعيم أم للعذاب ؟ فكلٌ حكّم عقله واختار مراده..


{ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ }
المؤمن يُحذر لأنه ذكي.. لذلك خاطبه الله هنا بأن يحسن للطرف الآخر ويصبر على أذاه.. وكذلك أرض الله واسعة لمن لم يتحمل أذيتهم فيهاجر..
وهنا كان الإحسان من تقوى الله.. لأن المؤمن يوحّد ولا يفرّق..


والحمد لله رب العالمين