تدبُر في آيات القرآن الكريم - سورة يس

[size=40]بسم الله الرحمن الرحيم[/size]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أسعد الله أوقاتكم بكل خير..
جئتكم اليوم باجتهادٍ جديد في تفسير سورة يس.. لعله بسيط لكني أنشره من باب عدم البخل وأن ينتفع به الدارسون لكتاب الله..

{ يس }
لاحظ أن كل سورة تبتدأ بأحرف كهذه يأتي في الآية التي بعدها ذكر القرآن.. مما يدلل على جمال لغته العربية.

{ وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }
يقسم المولى سبحانه بحكمة القرآن مخاطبا النبي بالمدح والثناء.. حيث أن سورة يس تتحدث عن تكذيب الأقوام لرسلهم.

{ تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ }
النبي ما رأى دليل ذلك إذ جاءه جبريل بالمصحف. إنما الدليل هو مدى الحكمة في كلام الله.
كذلك إيماننا بالغيب ، لا نرى الله لكن نؤمن بوجوده من خلال الآيات ، لأن الدنيا كما علِمنا امتحان للقلوب.
والكفر هو تغطية للإيمان ، إذ يُظهر الكافر الجحود بعدما صدّق بوجود الله ، فتولى كبره وأصبح ندا لله. بينما الفئة الثالثة هي إظهار الإيمان وتبطين الكفر. فأنزل الله أمر الجهاد بالحق.

{ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ }
- (ما أنذر آباؤهم) : ما بمعنى كما
- (غافلون) : السورة تتعلق بالمشركين ، ولا تخص أهل الكتاب.

{ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ }
الحقيقة في كل عهد للرسل أن المؤمنين قلة.

{ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ }
الكارثة هي أن تجعل ذنوبك تحول بينك وبين الله.

{ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ }
في هذه الآية إشارة خفية لأمر الجهاد ، إذ ما فائدة الهداية بعد فوات الأوان ؟ { وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }

{ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ }
هذه الآية تؤكد الكلام الذي سبق. فالهداية لمن لم يهتدي قد فات أوانها ، فوجّه جهدك تجاه المؤمنين ليثبتوا ويزدادوا إيمانا.

{ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ }
إعراضك بسبب كثرة الذنوب هو إماتة للقلب ، واستبشارك بالمغفرة حياة. والذنب يقسي القلب ، بينما العمل الصالح يمحي الذنب.

...

في الآيات التي تلي مثال على ما سبق في قصة أصحاب القرية ، كيف العناد على الكفر بسبب الذنوب ، وكيف المؤمنين قلة ، وكيف العمل الصالح (الدعوة) يغفر الذنوب ، وكيف هي سنّة الله في كل قوم..

[٣٣] { وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ }
رجل ممن استولت عليه الذنوب جاء للنبي -ص- فسأله إن أردت أن أعصي الله ما أفعل ؟ قال له لا تسكن في أرضه ، فتسائل الرجل أين أذهب إذًا ؟ فقال النبي أتسكن في أرضه وتعصيه ؟ فقال ما أفعل إذًا ؟ قال النبي لا تأكل من أكله ، فتسائل الرجل كيف آكل إذًا ؟ فقال له النبي أتسكن في أرضه وتأكل من أكله وتعصيه ؟!

{ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ }
أخي المؤمن أختي المؤمنة ، أن تعرف نعمة الله عليك فذلك يحول بينك وبين الذنوب. لعلك أغفلت النعمة وانتبهت لنقصٍ جعلك في خصامٍ مع الله. فالحل أن تشكر وتستغفر وتكثر من الأعمال الصالحة ، اجعل ذلك طريقك للنهاية تكسب ود الله. واعلم أن طريقك هذا لا يفلح إن لم تصدق. وإن كنت صادقا بحياتك كسبت ود الناس.

{ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ }
(ثمره) : أنت إن عملت صالحا كافئك الله برزقٍ فوق الرزق المقسوم لك ، وإن لم تجد عملا صالحا فهل ذكرت الله في طعامك ؟ { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزقٍ ولا أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين }

{ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ }
(مما تنبت الأرض) : أي خلْق آدم من طين.
(ومن أنفسهم) : ثم خلْق الذكر والأنثى من صلب آدم وضلعه.
(ومما لا يعلمون) : مثل سيدنا عيسى -ع- حيث لا نعلم متى يعود ويتزوج وينجب.
- بعد أن ذكر الرزق ، يأتي ذكر الإنفاق ، حيث تكليف الأزواج فيه واحد سواءٌ على الذكر أم الأنثى.

...

الآيات التي تلي فيها تبيان لنعم الله على العبد ، فأنت إن ذكرت نعمته استحييت أن تعصيه..

[٤٥] { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }
(ما بين أيديكم) : أي العقاب في الدنيا ، وكيف تتقيه؟ بالاستغفار
(وما خلفكم) : أي عذاب الآخرة ، وكيف تتقيه؟ بالإنفاق

{ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ }
الإنفاق أحد الاختبارات التمحيصية لصدق المؤمنين. فإن أخرج المسلم زكاة ماله عصم نفسه ودماءه من الله.

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }
- كيف تسأل "كافرا" أن ينفق في سبيل الله وهو كافر ؟ المعنى في الآية أن البخل يُخرِج من الإيمان للكفر.
- (إن أنتم إلا في ضلالٍ مبين) : إن كنت مؤمنا وبخلت ، فقد ضللت السبيل إلى الله.

{ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }
هذا قول البخلاء بعد كفرهم ، إذ تقول لهم الإنفاق يقي من عذاب الآخرة ، فيقول لك أي آخرة ؟!

{ مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ }
ما زال الحديث عن البخلاء { فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ }

...

[٦٦-٦٨] { وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ * وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ * وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ }
الحقيقة أن الإنسان في الدنيا مخيّر ، لأنه كان في اختبارٍ من الله ، أما يوم القيامة يكون الجزاء بلا حرية اختيار.

والحمد لله رب العالمين